Tuesday, March 27, 2012

أسلوب جديد لعرض وتقريب مفاهيم القرآن المجيد



بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وكل من آمن به واتبع هداه، وبعد..
فإني أصارحك القول أيها القارئ العزيز بأني منذ بدأت حياتي حدثا صغيرا وأنا محب للقرآن الكريم على أنه كتاب دين وعلم معا إلى أن بلغت السن الذي يمكنني فيه تذوق معانيه، فتاقت نفسي لمعرفة مقاصده وأهدافه.
 فرحت أبحث عما يعينني على ذلك في مظانه العديدة ما بين المطول والمختصر من مؤلفاته حيث وجدت تراثا ضخما لا قبل لمثلي بالإحاطة به أو استيعابه إلى جانب ما حيرني في هذا التراث من تعدد آراء أصحابه ولاختلاف الحال بين وجهات أنظارهم التي لا حد لها سواء عند الكاتبين به أو الدارسين له أو المتكلمين عنه وسواء نزعوا في مسلكهم إليه منزع أي من السلف أو الخلف وسواء كانوا مقلدين أو مجتهدين إذ لكل منهم عيوبه وأخطاؤه، معذرة عن هذا الوصف كما أن له فضائله ومزاياه التي لا تنكر.
فمن مزايا السلفيين مثلا أنهم ينقلون إلينا ما وصلهم عن السابقين في دقة وأمانة وغالبا ما يكون ذلك مع الإسهاب الممل وإن صادم العقل أو الحس أحيانا، وهو من عيوبهم، في نفس الوقت كماترى لما فيه من دسائس الإسرائيليين وأباطيل أهل الأهواء وتخبطات المتخبطين وشطحات وتكلفات المتكلفين من ذوي الأخيلة المعلولة والنفوس المريضة سواء من صوفيين أو طرقيين أو مذهبيين متعصبين أو من كل متنكب بطريق الهدى والحق فهو متبع لما تشابه من كتاب الله ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.
***
ومن المؤسف غاية الأسف أن يستسيغ نقل هذا وأمثاله، مع وضوح فساده وبطلانه، الآخرون عن الأولين في غير ما حياء أو تحرج بدعوى الحفاظ على السلفية ثم يكون من عيوبهم كذلك أن تراجع عشرات التفاسير على هذا النهج وكأنها لتكرارها لهم تفسير واحد لا تكاد تخرج منه بطائل رغم ما تستنزفه منك من وقت وجهد فضلا عما تجده في كثير منها من النكارة والغثاثة والبعد عن معاني الآيات ذات العمق، تلك التي تبحث عن معناها فلا تجده وهو ما صدق عليه قول بعضهم " إن من التفاسير ما قد تلقى فيه كل شيء إلا التفسير".
كما أن من عيوب المفسرين الموسومين بالعصريين في زماننا هذا إلى جانب مزاياهم طبعا أنهم يعرضون عليك مفاهيمهم الذاتية وثمار قرائحهم العصرية أو الظنية ممزوجة بمعاني الآيات الأصلية أو من خلالها، وكثيرا ما يسرفون في هذا المزج أو ينحرفون فيه عن القصد إلى الحد الذي ينسون أو يتناسون معه جو التنزيل الأصيل، وبيئته الأصلية، أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وتلقاه وصحبه وأهل جيلهم على عهدهم بكرا نديا مع أنه الركيزة التي يتعين على كل منصف مراعاتها بين يدي تذوقه لمعاني كلام الله وتعرفه على مراميه وأهدافه.
وكما أن من عيوب مختصرات التفسير فضلا عما تقدمت إشارتنا إليه أنها كما قيل عنها تفسير الماء بعد الجهد بالماء، وذلك لقصر أصحابها همهم فيها على إبانة معاني الآيات البينة بنفسها مع الإعراض عما يحتاج منها لجهد ومشقة.

***
وأمام تلك الحيرة التي صادفتها وأنا أبحث لي عن كتاب في تفسير القرآن الكريم يعينني على تذوق معانيه في استقامة ويسر سألت أستاذا لي أجله أن ينصح لي بقراءة تفسير يختاره فكانت إجابته أن " حاول أنت فهمه بنفسك فكم من تفسير للقرآن حاول أن يفهمه فأعجمه وأبهمه".

فاستخرت الله لتوي وعزمت على أن أجمع لي تفسيرا للقرآن انتخبته أنا بنفسي على أساس اللغة الفصيحة والسنة الصحيحة ومحكم القرآن نفسه وواقع الحياة من حولي إلى جانب ما تيسر لي من كتب عالجت موضوعه قبلي سواء كانت سلفية أو عصرية مطولة أو مختصرة وذلك لأرجع إليه كلما احتجت لذلك لا أزيد و لا أنقص.
غير أني لكثرة ما صدمني أثناء ذلك من الغرائب والمتناقضات التي أسلفت الإشارة إليها مع التفسير المخل في الكثير منها خشيت على نفسي إن أنا لم أنشر تأملاتي تلك على الناس أن يؤاخذني ربي باحتمال كوني ممن عناهم بقوله " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون".
فعزمت بمشيئة ربي وعونه على طبعه ونشره بمجرد إتمامي له إن شاء الله لي أن أتمه وذلك رغم علمي بالحكمة القائلة " من ألف فقد استهدف " وبالشعار الذي يرفعه بعضهم تعبيرا عن نفسه وربما مع المباهاة والمفاخرة به إن لم يكن بلسان مقاله فبلسان حاله ومؤداه " من لم يستطع أن ينفع فليضر" أو القائل " الهدم أخف من البناء".
***
ولهؤلاء وأمثالهم أقول " ما دمنا مسلمين بأن الكمال لله وحده كما أن العصمة لأنبيائه ورسله وما دام الذين هم أفضل منا لم تسلم أعمالهم من بعض المآخذ كما قدمنا، وها هي ذي كتبهم بيننا أصدق شاهد على ما نقول، وما دامت نوايانا خالصة لله ثم لنفع عباده.
فما الذي يمنعنا من الإسهام بما شرح الله له صدورنا ويسر لنا سبل إنجازه ومن يدري فلعلنا نحقق به بعض الخير لبعض الخلق كما نصيب عن طريقه كسبا لرضى ربنا عنه نقدمه لسجل صالحاتنا عنده يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
***
هذا عن تأليف الكتاب وباعثنا الأصلي عليه ثم إن هنالك بعد أمرا آخر يتعلق بتقسيم القرآن إلى وحداته الاصطلاحية المعروفة بقصد تيسير حفظه ومدارسته على طلابه خلافا لسوره وآياته طبعا لعلمنا أنها توقيفية عن الله ورسوله "صلى الله عليه وسلم" خصوصا وقد علمنا عزو تقسيمه الاصطلاحي إلى الحجاج بن يوسف الثقفي المشهور على أنه لو كان مؤديا للغرض منه لأقررناه ولم نتعرض له بتغيير لولا أنه جاء غير متناسق مع بعضه في الحجم من جهة وغير محترم لتقسيم السور التوقيفي من جهة أخرى.
وهذا ما دفعنا لمحاولة إعادة تقسيم القرآن تقسيما جديدا لعله يكون أوفى بالغرض من سابقه وذلك بجعله ثمانية أثمان بحيث يبدأ كل ثمن منها ببداية سورة وينتهي بانتهاء سورة ثم تقسيم كل ثمن إلى خمسين وحدة متقاربة الطول كذلك ما أمكن بحيث تبدأ كل وحدة منها ببداية سورة أو آية وتنتهي بانتهاء آية أو سورة وكذلك تسمية كل وحدة منها وردا كتسمية القاموس المحيط للجزء من القرآن.
كما أننا عزمنا بعون الله وتوفيقه على طبع كتابنا هذا لطوله لما يناهز الألفي صفحة أو يزيد على مراحل متتابعة بعد تسميتنا له ( تأملات في قرآن الله وأوضاع الناس أو أسلوب جديد لعرض وتقريب مفاهيم القرآن المجيد).
وكان من الطبيعي أن نبدأ طبعه من أوله كما جرت بذلك العادة لولا لهفة بعض الإخوان وتعجلهم طبع هذا الجزء أولا لقرب تناول العامة قبل الخاصة والصغار قبل الكبار له وهو ما دفعني للبدء بطبع هذا الجزء قبل غيره نزولا على تلك الرغبة الملحة وقد وافق تقسيمي له تقسيم الحجاج قبلي بثماني وحدات هي عنده من مائتين وأربعين وحدة هي مجموع وحدات القرآن المسماة ربع الحزب وهي عندي من أربعمائة وحدة أي ورد وقد عرف هذا الجزء بين الناس باسم جزء عم الخاتم والأخير.
والله نسأل أن يجعل جهدنا هذا وكل جهد لنا غيره خالصا لوجهه وحده إنه تعالى أكرم مسئول وأعظم مأمول وهو حسبنا ونعم الوكيل وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
سنة 1400 هـ ـ 1980 م

واقرأ أيضا: